لن ألتزم هنا بتسلسل زمني دقيق، ولن أتحدث عن بهاء اسطنبول أو معالمها التي لا تنتهي. ما سأكتبه اليوم مجرد تأملات وملاحظات وشيء من البوح.
______
كنت كلما أردت الدخول لمسجد، وجدت لافتة تُوضح ما يجوز وما لا يجوز لدخول الجامع، كان من بين ما لا يجوز، لِبس سروال قصير (وهو الحال معي)، لأنه يظهر بعضا من "عورتي".
في زيارتي لأول مسجد، مسجد رستم باشا، باليوم الأول لي في المدينة، فكرت واجتهدت، وسحبت سروالي القصير نحو الأسفل، عسى أن يغطي الركبة، في محاولة للعثور على نقطة توازن، أحجب معها عورةً دون أن أُظهر أخرى.
وأنا بصدد الدخول للجامع، بادر عامل الاستقبال بمد ثوب أزرق لي، لم أستوعب في البداية ما هو، وبعد أن تفحصته، أدركت أنه تنورة، نعم، تنورة، رفعت سروالي كما كان، ولبستها بكل روح رياضية.
ومع تعدد المساجد وكثرة زياراتي لها، أصبحت معتادا، فصرت أقصد حيث توضع التنورات، أتناول واحدة، ألبسها وأدخل.
______
علاقة الأتراك بقطط الشوارع مذهلة، عجيبة جدا، تجد في كل زاوية (في المقهى، الأزقة، الحدائق، محطات الباص، ...) مسكنا لها، ووعاءً وُضع فيك ما تيسر من حبيبات الطعام.
______
عزمت على الذهاب لمسجد آيا صوفيا، كنيسة سابقا، ثم متحف، وكانت كوستادينكا، صديقتي البلغارية، أخبرتني أنه بإمكاني الدخول للمسجد دون تعريفة لو أنا دخلته للصلاة.
أذن المؤذن لصلاة الظهر، وكان ذلك، دخلت من الباب الرئيسي، أشار إليَّ الشرطي للتوجه لمكتب الاستقبالات للحصول على لباس ساتر، مد الموظف لي جلبابا، وطالبني ب60 ليرة.
دخلت، فوجدت المصلين فرغوا لتوهم من صلاة الظهر، عبرت الصفوف الواحد تلو الآخر، وجلست في الصف الثاني وراء الإمام، بعد أن فرغ من أداء ركعتين، استدار نحو المصلين، وبدأ الدعاء للمسلمين في نفس البقاع التي دعا لها الإمام قبله في "الجامع الجديد" في اليوم الأول، ثم ألقى موعظة بالتركية والإنجليزية.
بعد أن فرع وقام من موضعه، تحلَّق حوله عدد من المصلين، يصافحونه، يلتقطون معه الصور، كما لو كانوا قد التقوا نجمًا تلفزيونيًا. وكان فعلًا كذلك، في هالته، ووقاره، وحضوره.
______
من اليوم الأول، بقي سؤال المعنى والجدوى يراودني، يذهب ويجيء، لا يستقر.
أتساءل: هل قطعتُ 4000 كيلومتر من المغرب، لأرى بنايات مرتّبة، شوارع نظيفة، بنية تحتية متطورة، شبابًا شُقرًا، ولغة لا أفهمها ولا يفهمني المتحدثون بها؟
أكان هذا هو المغزى؟ أهذا هو الهدف؟ وإن لم يكن، فما هو إذن؟
كنت – وما زلت – أبحث في كل زاوية عن دهشة البدايات، تلك التي – وللأسف – لا تحدث إلا في البدايات!
لكن، ما البدايات؟ إن لم تكن تجربة جديدة، أرضًا جديدة، ثقافة جديدة، حوارات جديدة، وطبقًا – لذيذا أو غير ذلك – جديدًا؟
هي أسئلة مفتوحة… لا أبحث لها عن جوابٍ مكتوب، بل عن رجفةٍ تعبر الجسد، عن قشعريرةٍ تلامس الروح، عن ارتعاشةٍ داخلية تهمس: “أنت على الطريق"