هنا.. بدأت الحكاية
2 غشت 2023، كان مجرد سفر، بالمعنى التقليدي للكلمة. ما ميزه فقط أنه فردي، وعلى دراجة نارية. عنوانه: “دع الأمور تحدث”.

2 غشت 2023، كان مجرد سفر، بالمعنى التقليدي للكلمة. ما ميزه فقط أنه فردي، وعلى دراجة نارية. عنوانه: “دع الأمور تحدث”.
مساء اليوم 13، بعدما اقترح علينا مودي الجولة مع المرشد، تبادلنا أرقام الهواتف، سلمني هاتفه لأكتب رقمي، ظهرت لوحة مفاتيح بالعربية، لم أستغرب للأمر، لأن مودي كان قد أخبرني أنه يفهم ويتحدث قليلا العربية الشامية، غيرت اللغة، فظهرت حروف عبرية، ليستدرك بسرعة: "لدي لغات كثيرة في لوحة المفاتيح"، ابستمت وغيرنا الموضوع، ولكن مع نفسي شككت في أنه مزدوج الجنسية، نمساوي إسرائيلي، وتحرَّج من أن يخبرني، لأنني مغربي. لم أحاول الضغط لأعرف أكثر، وتعاملت معه بمثل ما يتعامل معي به من لطف وخفة دم.
كاپادوكيا، منطقة تتميز بتضاريس غريبة، وصخور مخروطية ناتجة عن براكين قديمة. أعطاها صيتا عالميا، الكنائس والجداريات والأديرة والمنازل المنحوتة في صخورها، ما يعطيها شكل كهوف ولكن من إبداع سكانها الأقدمين. أغلبها ازدهر قبل ستة عشر قرنا، ومنها ما يتجاوز عمره الألفي سنة.
كان يومي الحادي عشر هادئًا، بطيئًا، أترك الجسد يلتقط أنفاسه بعد مجهود الأيام العشرة الماضية. تمشيت في شوارع المدينة، خططت للأسبوع أمامي، تأملت وجوه المارة، وكتبت قليلًا.
مشاعر وأحاسيس غريبة. تحريت قبل البدأ في الرحلة إن كان المعبر مفتوحا في وجه السياح، وكان الجواب نعم، ولكن سائق التاكسي قال لي في طريقنا أن المعبر مخصص فقط للسوريين، فبدأ الشك يراودني في ما إذا كنت سأتمكن من العبور، وبدأ شريط الخمسة أيام السابقة يمر أمامي بسرعة البرق، متسائلا: كيف؟ كل هذا العناء لأجل.. لا شيء!
ما لم أذكره سابقا، هو أنه في اليوم الثالث، خلال جلستي مع مريم ومهند ب"الدار"، وبعد أن بدأت أستعرض أمامهما غزواتي وجولاتي، والبرنامج الضبابي الذي أتبعه. أتيت على ذكر أنطاليا جنوب البلاد، عندها انتفظ صديقي السوري معلقا: "طب ليش ما تدخل على سورية ؟"، توسعت حدقتا عيني من الدهشة، وسألته: "ما في ڤيزا للمغاربة ؟"، أجاب أن هناك ڤيزا عند الدخول مباشرة.
الليلة قبلها، سجّلت اسمي في جولة إلى أزنغول مع وكالة اقترحتها عليّ صديقتي سارة. الوكالة كانت لعائلة سورية، وهذا ما جعل التواصل والتسجيل أكثر سهولة.
وصلت حافلتنا صباح اليوم التالي في حدود الساعة التاسعة. ما إن وطئتُ أرض طرابزون، حتى شعرت شعيرات أنفي ومسام جلدي بثقل ما ينتظرني من حرارة خانقة ورطوبة عالية.
كنت مترددا في ماذا بعد اسطنبول، أ أذهب جنوبا أم شرقا! استقر قراري قبل 36 ساعة من الانطلاق على الذهاب إلى طرابزون شرق البلاد.
قبل أن أشارككم أحداث هذا اليوم، من المهم أن أضعكم في سياق بعض أحداثه.
لن ألتزم هنا بتسلسل زمني دقيق، ولن أتحدث عن بهاء اسطنبول أو معالمها التي لا تنتهي. ما سأكتبه اليوم مجرد تأملات وملاحظات وشيء من البوح.
اليوم الثالث، مشمس ورطب كسابقيه، كأن الجو متحامل عليك عن سبق إصرار.
اليوم الثاني لي باسطنبول، جاء بعد يوم حافل جدا، قطعت فيه حوالي 25 كلم مشيا، أتمشى وفقط، متبعا حدسي تارة، والجموع تارة، وتطبيق غوغل تارة أخرى.
نمت الليلة قبلها في الساعة 2:30 صباحًا بتوقيت البلد بعد أن قدمت من المطار، ثم استيقظت على منبه الهاتف تمامًا عند 7:30. التقيت بمضيفي أحمد (Ahmet)، وهو صديق صديقي حمزة، شاب تركي طيب رحب بي وشرح لي بعض قواعد الدار.
لنبدأ من البداية، بعد جولتي 2023 و2024، ورغم الغنى الثقافي الذي يزخر به المغرب، أحسست أن جولة 2025 قد تسقط في الرتابة إن هي لم تتجاوز حدود المملكة، وضعت سيناريوهات كان أرجحها، جولة بالدراجة العادية أستكشف فيها ما تيسر من إسبانيا والبرتغال، مع الأسف، نظرا للمشاكل المتعلقة بمواعيد التأشيرة، لم ترجح كفة هذا السيناريو. بقي سيناريو السفر لدولة بدون تأشيرة، فكرت في دول غرب ووسط آسيا، استقر القرار على تركيا لاعتبارات لها علاقة بثمن التذكرة.
انطلقت من مرتيل على الساعة 10:45، لأصل الهوم سويت هوم على الساعة 19:15 🥹 نهاية الإرسال 🙌🏼
استيقطت متأخرا، تناولنا الفطور وخرجنا، وصلنا الفنيدق حوالي الساعة 13:00، بدأنا رحلة البحث عن شراشف الأسرة والألحفة 🥲 استغرقت رحلة البحث حوالي أربع ساعات، لنختتمها بالوقوف (أنا وسفيان) أمام محل متخصص مدة ساعتين، ننتظر البقية كي يقررو ما سينتقون ليشتروه، ذكرني هذا الانتظار بطفولتي، لما كنت أرافق والدتي (تحية لك ختي فاتيمة من هاد المنبر).
بدأ اليوم عندي أمس، عندما اتصل بي صلاح مساءا ليخبرني أنه والشلة هنا، بمارتيل، نويت أن ألتحق بهم يوم الغد.
اتفقت أمس وسارة أن ترافقني في جولة الصباح في أزقة وشوارع المدينة، التقينا في تيراس الفندق، هاهي تختتم حصة التأمل خاصتها، دككنا الأزقة والشوارع، التقينا بعبد السلام، صانع تقليدي متخصص في الجلد، رحب بنا وحدثني عن المدينة ودروبها، ومتذمرا كيف أن الناس غفلوا عن عبادة الله إلى عبادة الدرهم.
استهللت يومي بفطور شمالي بمدينة تطوان، جلس على طاولتي رجل ستينيٌ غالب الظن أنه بلا مأوى، أخذ قارورة الماء خاصتي وفتحها وبدون استئذان بدأ يشرب، بعدها نظر إلي وقال: شي كاس داتاي، طلبته له، سألته عن اسمه، فرد علي بسؤال: شنو سميتك انت، أجبت، وانتهى الحوار.
في الليلة السابقة غيرت الوجهة من الحسيمة نحو قلعة طوريس.
الساعة 8:45، مفتاح دراجتي بين الحياة والموت، أنعشته بضربات حذرة بمفتاح البرغي ليعود لسابق عهده.